Monday, June 24, 2013

حواديت رؤساء مخلوعين

(1)

بني صدر، اول رئيس منتخب و مخلوع في ايران الاسلامية ( فبراير ١٩٨٠- ٢٨يونيو ١٩٨١)

يعد بني صدر من اول عاصري اللمون في العالم، فهو الابن الروحي لأية الله خميني و لكنه في نفس الوقت ناشط حقوقي و مثقف منفتح علي تاريخ البشرية. ساند بني صدر رجوع الخميني باستبسال و شارك بقوة في كتابة اول مسودة دستور إيراني بعد الثورة استنادا لنموذج الدستور الفرنسي وواجه نقدا عنيفا بشانها من بازرجاني و حزبه وقتها كما استسلم لاعادة تشكيل اللجنة الدستورية و مجموعة خبراء كتابة الدستور و التي استرد بها العلماء محورية ولاية الفقيه كمصدر مقترن بالقانون لا يسبقه و لا يلحقه، علي الاقل من الناحية النظرية، كما تم تقليص دور و صلاحيات رئيس الجمهورية وقتها ليصبح ثاني رجل في الحكم بعد المرشد الاعلي.

كان من اهم مكتسبات آيات الله وقتها انفرادهم بترشيح مرشحي الرئاسة. مثلوا نوعا من مجلس الحكماء وقتئذ ... مصفاة تحدد للشعب الايراني من يختار.... ورغم حالة الوصاية المعادية لاي مبدا حرياتي، كان بني صدر احد ثلاثة مرشحين. نجح بني صدر بفضل علاقته بالخميني و كان من وراءه حزبي الجمهورية الاسلامية و تودة . كان تقارب بني صدر و الخميني احد ضمانات انتصار الثورة الاسلامية للبعد الاجتماعي وقتها، لكن ما لبثت علاقتهما ان تدهورت بسبب ما سمي بعد انتخاب بني صدر بشهور بمفاجأة سبتمبر. كانت تلك المفاجأة هي ما اعلن عنه بني صدر مع احد مستشاري البيت الابيض في تقرير بنفس الاسم، أفصحا من خلاله ان آيات الله قد تفاوضوا مع رونالد ريجان علي الاحتفاظ بالرهائن الأمريكيين لفترة أطول سعيا لإسقاط محاولات جيمي كارتر الدبلوماسية ثم العسكرية - الفاشلة- في تحرير الرهائن و ذلك لكسر شعبيته. قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية. فقد بني صدر وقتها كل مصداقيته عند نظام آيات الله وقتها و تم إسقاطه بل و مهاجمة و حرق حزبه و حزب توده الحليف ( الحزب الشيوعي الايراني)، و قام البرلمان الايراني بالدعوة لانتخابات مبكرة و تم السماح لبني صدر من الهرب الي اوربا تفاديا لتصعيد الفضيحة السياسية بتنسيق آيات الله مع اليمين الامريكي حفاظا لكل منهما علي موقعه القائم علي استثارة مشاعر الجماهير ضد العدو الخارجي. نعم، تم خلع بني صدر و لكن ليس لانه نسق مع امريكا مثل الاخوان عندنا و لكن لانه رفض ان يكون ترسا في مكنة السياسة القذرة التي تمارس ما لا تقول و تقول ما لا تفعل.

سقط بني صدر من صفحات التاريخ لان الشعب الإيراني ترك للقادة إدارة التنافس السياسي و لم يفرض نفسه كطرف مباشر في المعادلة. وكل آيات الله في رسم خطوط المستقبل، فدخلت ايران بعدها حرب مريرة ضد العراق و استمرت في الانعزال المعلن و عقد الصفقات القذرة في السر. للاسف ليس عندنا بني صدر بعد، و لكن حتي بني صدر لم يكن ليفلح في ضمان ديموقراطية الثورة بدون قاعدة شعبية تنتصر لهذة الافكار بدلا من ان تساق في حروب الهوية كالنعاج من آيات الله.


(2)

فرناندو كولور ديل ميلو ( ١٥ مارس ١٩٩٠- ٢٩ ديسمبر١٩٩٢) البرازيل

يعكس كولور نموذجا يجمع بين نيو لبرالية جمال مبارك و ديماغوجية مشروعه الانتخابي في ١٩٨٩ تذكرنا بنهضه مرسي، و قدراته الاقتصادية علي التشبيك تكاد تكون نسخة مبكره من غطرسه خيرت الشاطر و حلفاؤه من رجال الاعمال. البرازيل كلها موحية جداً و مقارنه اول التسعينات هناك بما يحدث في مصر هذة الايام يشكل مصدرا حقيقيا للإلهام. لماذا؟

مثل مرسي، كان كولور اول رئيس مدني منتخب بعد عقود من سيطرة الجيش علي الحكم. تقنيا فاز رئيسا من قبله و لكنه مات قبل ان يستلم مقاليد الحكم، فاصبح كولور مرسي البرازيل وقتها. مثل محمد مرسي أيضاً جاء كولور بدعم من الجيش و بمشروع سياسات تقشف و إصلاح اقتصادي نيولبرالي. و مثل مرسي أخيرا كانت المراهنة علي قنوط الشعب من امكانية تحقيق التغيير هي المدخل الذي سمح لهذا الاقتصادي السمج من الوصول للرئاسة.

كانت فضيحة استخدام الرئيس لخمسين مليون دولار لتعبئة حملاته الانتخابية و إتمام صفقات مالية بالمشاركة مع أخيه بدرو هي المفجر للازمه. اجتمع البرلمان حينذاك و تردد بين عزل الرئيس و تعليق مهامه و إسناد التحقيق في دعاوي الفساد لقاض مستقل. ظهر تقرير "فارياس" و هو اسم قاضي التحقيق حينها، مدينا للرئيس و لأخيه و لحاشيته و موثقا بالمستندات الفساد السياسي للنخبة الحاكمة الجديدة و بطانتها. كان رد فعل كولور نسخة طبق الاصل من الخطاب الإخواني الحالي: امضي شهورا يكشف "للشعب" عن المؤامرة الدنيئة لخصومه سعيا لعزله، و ربط مثل مرسي تماماً بين بقاءه و استقرار البرازيل الاقتصادي و المالي.

ما أنجزته البرازيل هنا هو اثمن درس لنا اليوم في اعتقادي. أخدت بتقرير فارياس و عرضته علي مجلس الشيوخ و الذي خير كولور بين العزل و الاستقالة للبدء في محاكمة جنائية رسمية. انتهي الامر باستقالة كولور و بدء المحاكمة و كان للاتحادات الطلابية دورا طليعيا في اغسطس ١٩٩٢ في إسقاط كولور دون الرجوع للحكم العسكري. تولي نائب الرئيس الحكم لمرحلة انتقاليه دامت نحو ثلاث سنوات و نجت البرازيل من الدخول في حلقة جديدة من الحكم العسكري. حوكم كولور و تم تبرئته بناءا علي نقاط فنية مثل محاكمات الفلول لدينا منذ عامين و لكن الغضب الشعبي ادي الي قرار المحكمة بالعزل السياسي للرئيس و أخيه مدة ثمان سنوات كاملة و حرمانهما من حقوقهما السياسية. برازيل مطلع التسعينات هادنت النظام الدولي بعدها لعقد كامل سعيا للخروج من أزمتها السياسية و الاقتصادية. حددت أولوياتها و آليات تمتين الديموقراطية و مؤسسات المساءله القانونية و التشريعيه. كان سقوط كولور الفاضح و إيقاف محاولات الجيش التدخل من جديد بداية الطريق الذي سمح للولا دي سيلفا من النجاح بعد عشر سنوات من هذة الازمة ، انتخب كرئيس بعد دورتين رئاسيتين سقط فيهما كمرشح لحزب العمال و كمعارض لسياسات النيولبرالية و الفساد المالي للنخبة الحاكمه. استغرق التغيير عشر سنوات كامله من البرازيل لتأتي بحزب يسار وسط يعبر عن الغالبية و يقود اقتصاد البرازيل نحو النهوض بناءا علي ما سبق إنجازه و لكن مع اضافة البعد الاجتماعي. 

درس الضغط الشعبي للتوصل الي ترتيبات مؤسسية بالعزل و تحقيقات مستقلة عن الفساد هو رسالتي اليوم لكم. صباح الفل


السوابق الديمقراطية للانتخابات المبكرة

في خضم الجدل حول فكرة اجراء انتخابات رئاسية مبكرة لحسم الشكوك العميقة حول شرعية انتخاب الرئيس نتيجة مادار في الانتخابات الرئاسية السابقة من تدخلات‏,‏
 وحول سوء أداء المؤسسة الرئاسية بكافة أطقمها, يقول بعض الرافضين للفكرة أنه لايجوز اجراء تلك الانتخابات قبل استكمال الرئيس ولايته.
والحق أنه لاخلاف بين الفريقين حول شرعية صندوق الانتخابات طالما أن الصندوق يتسم بالنزاهة والتعبير الحقيقي عن آراء من أدلوا بأصواتهم. الخلاف هو حول مسألة توقيت اجراء تلك الانتخابات, هل تتم الآن أم تتم بعد استكمال الرئيس لولايته. يمكن القول أن انتخاب الرئيس, بفرض نزاهة عملية انتخابه, ليست رخصة نهائية للبقاء في السلطة الي نهاية ولايته الدستورية. فالأمر مرهون بأدائه واستمرار الرضاء الشعبي عنه. فاذا كان الأداء صحيحا ومتفقا مع ماوعد به, واذا كان الرئيس لم يخالف نصوصا قانونية وتعهدات دستورية, واذا كانت غالبية الشعب تشعر بتحسن في مستواها المعيشي, فان من حقه أن يستكمل ولايته. أما اذا افتقد الرئيس تلك الشروط أو بعضها, يصبح تنحيه مسألة قانونية واجبة في أي نظام ديمقراطي. فصندوق الانتخاب ليس رخصة لقبول أي أداء سياسي, لكن نتائج الصندوق تخضع للرقابة المستمرة منذ لحظة عد الأصوات في الصناديق.
دعونا نقرأ الأمثلة التاريخية التي تدلل علي صحة مانقول. ففي النظم البرلمانية حيث يقوم البرلمان بانتخاب رئيس الوزراء, فان رئيس الوزراء ليس له مدد دستورية محددة ويظل يقوم بمهام منصبه طالما تمتع بثقة البرلمان. وفي بريطانيا, النموذج الأعلي للنظام البرلماني, فان مدة البرلمان خمس سنوات تجري بعدها انتخابات برلمانية تؤكد استمرار رئيس الوزراء أو تأتي بآخر. ولكن كثيرا ماأجريت الانتخابات البريطانية قبل استكمال السنوات الخمس, أي قبل استكمال عمل رئيس الوزراء لمدة خمس سنوات, وذلك اذا فقد رئيس الوزراء ثقة البرلمان أو تدهورت شعبيته. ولايحتج رئيس الوزراء بأنه باق لاستكمال ولايته الدستورية لمدة خمس سنوات بصرف النظر عن الأداء المتدني أو الشعبية المتدهورة. وقد حدث ذلك في بريطانيا في مايو سنة1979 حينما استقال جيمس كالاهان, رئيس الوزراء ذو الأغلبية في مجلس العموم, وتم اجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وتكرر الأمر ذاته في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أعوام2005,2001,1987,1983,.2007 وفي فرنسا, وهي من أنظمة الحكم المختلط, استقال ديجول سنة1969 قبل أن يكمل مدته الدستورية, وذلك حينما لم يمنحه الشعب الفرنسي نسبة التأييد التي طلبها علي اصلاحاته الدستورية المقترحة, وتم اجراء انتخابات رئاسية جديدة أتت برئيس جديد هو بومبيدو. ولم يحتج ديجول بأنه باق لاستكمال مدته الدستورية رغم عدم الرضاء الشعبي عنه. وفي الولايات المتحدة الأمريكية, أعيد انتخاب نيكسون بأغلبية60% من ألأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة1972, وهي واحدة من أكبر الأغلبيات التي حصل عليها رئيس في التاريخ الأمريكي, حيث إنه فاز علي منافسه الديمقراطي ماكجفرن في جميع الولايات الأمريكية عدا ماساشوستس ومقاطعة كولومبيا. ولكن نيكسون لم يستكمل مدته الدستورية واستقال في9 أغسطس سنة1974 بعد أن بدأت اللجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ في اتخاذ اجراءات عزله علي أثر اتهامه بالضلوع في فضيحة ووترجيت التي تضمنت سماحه بالتجسس علي مداولات الحزب الديمقراطي المتعلقة بمرشحه في الانتخابات الرئاسية. لم يقل نيكسون إنه رئيس منتخب شعبيا من الأغلبية الساحقة من الولايات الأمريكية منذ عامين فقط, ومن ثم يجب أن يستكمل مدته طبقا لصندوق الانتخابات, وأن الكونجرس لايستطيع عزله, ولكنه استقال وجنب بلاده نزاعا دستوريا طويلا وحل محله نائبه جيرالد فورد, رغم أن الأخير لم يكن منتخبا شعبيا. حل النائب غير المنتخب شعبيا محل الرئيس المنتخب شعبيا احتراما لارادة الشعب الأمريكي.
وقبلها كان نائبه سبيرو آجنيو قد استقال كنائب للرئيس( انتخب شعبيا معه علي ذات التذكرة الانتخابية) حيث أدين بتهم التهرب الضريبي. لم يستكمل آجنيو مدته الدستورية كنائب للرئيس. وفي روسيا استقال بوريس يلتسن في ديسمبر سنة1999 قبل استكمال مدته الدستورية وهي ست سنوات( حيث كانت قد انتخب في سنة1996). وفي خطاب الاستقالة طلب يلتسن من الشعب الروسي أن يسامحه علي سوء ادارته للبلاد.
أستطيع أن أستمر في ذكر عشرات النماذج لدول ديمقراطية أخري, لم يكمل الرئيس مدته الدستورية حينما شعر بانفضاض شعبه من حوله ولم يتمسك أي منهم بأن صندوق الانتخابات أعطاه حصانة. فالصندوق ليس الا طريقا للوصول الي السلطة وممارستها, ولكنه ليس رخصة لاساءة استخدامها. فاذا ثبت سوء الاستخدام وجب اعادة تفعيل الصندوق. وفي الحالة المصرية, فان الخلاف بين الطرفين المتعارضين ليس حول اجراء الانتخابات, ولكنه حول توقيت اجرائها وحول ضمانات نزاهتها. وعلي من يعترضون علي فكرة اجراء انتخابات رئاسية مبكرة أن يفهموا أن اجراء تلك الانتخابات انما يعلي من قيمة صندوق الانتخابات, فلا أحد يتحدث عن تعديل للسلطة بالانقلاب, ولكن عن تطبيق آليات الديمقراطية للوصول الي الديمقراطية. فاذا أتت النتيجة لصالح الرئيس, فان ذلك سيخرس أصوات الناقدين ويعطي للرئيس فترة هدوء ينفذ فيها مشروعه الذي لم يره أحد حتي الآن.
لامانع من تطبيق الاجراء ذاته علي كل رئيس في المستقبل يري المصريون أنه لايسير في الطريق الصحيح. مصر تسير في منحدر خطير يهدد أساس وجودها منذ فجر التاريخ بنهاية نهر النيل وشعور المصريين بأنهم في حاجة الي ادارة استراتيجية ترقي الي مستوي التهديدات خاصة مع شعور المصريين بتدهور أحوالهم يوما بعد يوم. وهذا الجدل ليس الا الثمرة الطبيعية للكارثة التي ارتكبتها لجنة التعديلات الدستورية سنة2011, فقد نبهنا وقتها الي أن تلك التعديلات بوضعها العربة أمام الحصان ستؤدي بمصر الي كوارث نشهدها بالفعل الآن, فهل نقرأ ونقتدي بمافعلته النظم الديمقراطية الأخري, حينما ثار الشك حول شرعية الحاكم؟ أم نظل سائرين في طريق الندامة وصولا الي الهاوية؟.