Monday, June 24, 2013

السوابق الديمقراطية للانتخابات المبكرة

في خضم الجدل حول فكرة اجراء انتخابات رئاسية مبكرة لحسم الشكوك العميقة حول شرعية انتخاب الرئيس نتيجة مادار في الانتخابات الرئاسية السابقة من تدخلات‏,‏
 وحول سوء أداء المؤسسة الرئاسية بكافة أطقمها, يقول بعض الرافضين للفكرة أنه لايجوز اجراء تلك الانتخابات قبل استكمال الرئيس ولايته.
والحق أنه لاخلاف بين الفريقين حول شرعية صندوق الانتخابات طالما أن الصندوق يتسم بالنزاهة والتعبير الحقيقي عن آراء من أدلوا بأصواتهم. الخلاف هو حول مسألة توقيت اجراء تلك الانتخابات, هل تتم الآن أم تتم بعد استكمال الرئيس لولايته. يمكن القول أن انتخاب الرئيس, بفرض نزاهة عملية انتخابه, ليست رخصة نهائية للبقاء في السلطة الي نهاية ولايته الدستورية. فالأمر مرهون بأدائه واستمرار الرضاء الشعبي عنه. فاذا كان الأداء صحيحا ومتفقا مع ماوعد به, واذا كان الرئيس لم يخالف نصوصا قانونية وتعهدات دستورية, واذا كانت غالبية الشعب تشعر بتحسن في مستواها المعيشي, فان من حقه أن يستكمل ولايته. أما اذا افتقد الرئيس تلك الشروط أو بعضها, يصبح تنحيه مسألة قانونية واجبة في أي نظام ديمقراطي. فصندوق الانتخاب ليس رخصة لقبول أي أداء سياسي, لكن نتائج الصندوق تخضع للرقابة المستمرة منذ لحظة عد الأصوات في الصناديق.
دعونا نقرأ الأمثلة التاريخية التي تدلل علي صحة مانقول. ففي النظم البرلمانية حيث يقوم البرلمان بانتخاب رئيس الوزراء, فان رئيس الوزراء ليس له مدد دستورية محددة ويظل يقوم بمهام منصبه طالما تمتع بثقة البرلمان. وفي بريطانيا, النموذج الأعلي للنظام البرلماني, فان مدة البرلمان خمس سنوات تجري بعدها انتخابات برلمانية تؤكد استمرار رئيس الوزراء أو تأتي بآخر. ولكن كثيرا ماأجريت الانتخابات البريطانية قبل استكمال السنوات الخمس, أي قبل استكمال عمل رئيس الوزراء لمدة خمس سنوات, وذلك اذا فقد رئيس الوزراء ثقة البرلمان أو تدهورت شعبيته. ولايحتج رئيس الوزراء بأنه باق لاستكمال ولايته الدستورية لمدة خمس سنوات بصرف النظر عن الأداء المتدني أو الشعبية المتدهورة. وقد حدث ذلك في بريطانيا في مايو سنة1979 حينما استقال جيمس كالاهان, رئيس الوزراء ذو الأغلبية في مجلس العموم, وتم اجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وتكرر الأمر ذاته في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أعوام2005,2001,1987,1983,.2007 وفي فرنسا, وهي من أنظمة الحكم المختلط, استقال ديجول سنة1969 قبل أن يكمل مدته الدستورية, وذلك حينما لم يمنحه الشعب الفرنسي نسبة التأييد التي طلبها علي اصلاحاته الدستورية المقترحة, وتم اجراء انتخابات رئاسية جديدة أتت برئيس جديد هو بومبيدو. ولم يحتج ديجول بأنه باق لاستكمال مدته الدستورية رغم عدم الرضاء الشعبي عنه. وفي الولايات المتحدة الأمريكية, أعيد انتخاب نيكسون بأغلبية60% من ألأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة1972, وهي واحدة من أكبر الأغلبيات التي حصل عليها رئيس في التاريخ الأمريكي, حيث إنه فاز علي منافسه الديمقراطي ماكجفرن في جميع الولايات الأمريكية عدا ماساشوستس ومقاطعة كولومبيا. ولكن نيكسون لم يستكمل مدته الدستورية واستقال في9 أغسطس سنة1974 بعد أن بدأت اللجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ في اتخاذ اجراءات عزله علي أثر اتهامه بالضلوع في فضيحة ووترجيت التي تضمنت سماحه بالتجسس علي مداولات الحزب الديمقراطي المتعلقة بمرشحه في الانتخابات الرئاسية. لم يقل نيكسون إنه رئيس منتخب شعبيا من الأغلبية الساحقة من الولايات الأمريكية منذ عامين فقط, ومن ثم يجب أن يستكمل مدته طبقا لصندوق الانتخابات, وأن الكونجرس لايستطيع عزله, ولكنه استقال وجنب بلاده نزاعا دستوريا طويلا وحل محله نائبه جيرالد فورد, رغم أن الأخير لم يكن منتخبا شعبيا. حل النائب غير المنتخب شعبيا محل الرئيس المنتخب شعبيا احتراما لارادة الشعب الأمريكي.
وقبلها كان نائبه سبيرو آجنيو قد استقال كنائب للرئيس( انتخب شعبيا معه علي ذات التذكرة الانتخابية) حيث أدين بتهم التهرب الضريبي. لم يستكمل آجنيو مدته الدستورية كنائب للرئيس. وفي روسيا استقال بوريس يلتسن في ديسمبر سنة1999 قبل استكمال مدته الدستورية وهي ست سنوات( حيث كانت قد انتخب في سنة1996). وفي خطاب الاستقالة طلب يلتسن من الشعب الروسي أن يسامحه علي سوء ادارته للبلاد.
أستطيع أن أستمر في ذكر عشرات النماذج لدول ديمقراطية أخري, لم يكمل الرئيس مدته الدستورية حينما شعر بانفضاض شعبه من حوله ولم يتمسك أي منهم بأن صندوق الانتخابات أعطاه حصانة. فالصندوق ليس الا طريقا للوصول الي السلطة وممارستها, ولكنه ليس رخصة لاساءة استخدامها. فاذا ثبت سوء الاستخدام وجب اعادة تفعيل الصندوق. وفي الحالة المصرية, فان الخلاف بين الطرفين المتعارضين ليس حول اجراء الانتخابات, ولكنه حول توقيت اجرائها وحول ضمانات نزاهتها. وعلي من يعترضون علي فكرة اجراء انتخابات رئاسية مبكرة أن يفهموا أن اجراء تلك الانتخابات انما يعلي من قيمة صندوق الانتخابات, فلا أحد يتحدث عن تعديل للسلطة بالانقلاب, ولكن عن تطبيق آليات الديمقراطية للوصول الي الديمقراطية. فاذا أتت النتيجة لصالح الرئيس, فان ذلك سيخرس أصوات الناقدين ويعطي للرئيس فترة هدوء ينفذ فيها مشروعه الذي لم يره أحد حتي الآن.
لامانع من تطبيق الاجراء ذاته علي كل رئيس في المستقبل يري المصريون أنه لايسير في الطريق الصحيح. مصر تسير في منحدر خطير يهدد أساس وجودها منذ فجر التاريخ بنهاية نهر النيل وشعور المصريين بأنهم في حاجة الي ادارة استراتيجية ترقي الي مستوي التهديدات خاصة مع شعور المصريين بتدهور أحوالهم يوما بعد يوم. وهذا الجدل ليس الا الثمرة الطبيعية للكارثة التي ارتكبتها لجنة التعديلات الدستورية سنة2011, فقد نبهنا وقتها الي أن تلك التعديلات بوضعها العربة أمام الحصان ستؤدي بمصر الي كوارث نشهدها بالفعل الآن, فهل نقرأ ونقتدي بمافعلته النظم الديمقراطية الأخري, حينما ثار الشك حول شرعية الحاكم؟ أم نظل سائرين في طريق الندامة وصولا الي الهاوية؟.

No comments:

Post a Comment